
في زمن تغزو فيه الفازات المستوردة من الشرق الأقصى أو الغرب الأوروبي منازلنا ومكاتبنا وصالات استقبالنا، تأتي هذه الفازة بتوقيع المصمم والفنان السعودي إبراهيم عبدالعزيز المحارب كصرخة فنية حضارية تقول: “لدينا ما نفاخر به، ما نزيّن به مجالسنا، ونُعبّر به عن ذاتنا وهويتنا”.
هذه ليست مجرد فازة. إنها ترجمة فنية لنمط الحياة النجدي الأصيل. ليست وعاءً خرسانيًا مجوّفًا، بل قطعة مُفعمة بالرموز، والتاريخ، والانتماء. تم تشكيلها بوعي عميق يعكس أن الجمال حين يكون وطنيًا، يتحول من مجرد زخرفة إلى موقف.
اختار المحارب أن لا يبدأ من الصفر، بل من الجذور. عاد إلى نقوش الطين، وحَفر الجدران، وزخارف المجالس القديمة، وخطوط السدو والهندسة النجدية. كل خط محفور على هذه الفازة يُحاكي وشمًا على جسد الأرض.
الخامة محلية، والنَفَس نجدي، والرؤية عالمية. الفازة صُممت ونُفذت بخامات طبيعية مقاوِمة لعوامل الزمن، لتبقى شاهدة على ذوق أصيل يمكنه أن ينافس، بل يَسود، في أي مكان في العالم.
كثيرون يشترون فازات من الصين أو تركيا أو إيطاليا، دون أن يسألوا: ماذا تقول هذه الفازة عني؟ عن بيتي؟ عن هويتي؟ أما فازة إبراهيم المحارب، فهي تتحدث بصوتٍ سعوديٍّ عالٍ: “أنا من هذه الأرض، ومن ترابها صُنعت”.
تصميم الفازة اعتمد على تناغم دقيق بين الكتلة والخط، بين التكرار والهندسة، بين الزخرفة والفراغ. إنه ليس عشوائيًا، بل ناتج عن تجربة طويلة ودراسات ومشاهدات وجلسات تأمل بين الضوء والظل.
ما فعله المحارب بهذه الفازة هو استرداد للذوق العام. أعاد تعريف كلمة “جمالي” من جديد، وربطها بهوية حقيقية، ليُعلّم الأجيال القادمة أن الجمال لا يجب أن يُستورد، بل يُكتشف في داخلنا.
هذه الفازة هي جواب حاسم على سؤال قديم: هل يمكن للتراث أن يعيش في الحاضر دون أن يتكلّس؟ المحارب أجاب بفنه: نعم، بل يمكن أن يكون حديثًا وحيًا دون أن يُفرّط بأصله.
إنها ليست فقط قطعة ديكور… بل بيان بصري يُعلّمنا كيف نصنع ديكورًا سعوديًا بهوية راسخة، بكرامة، دون الحاجة إلى استعارة زخارف الآخرين.
يجب أن تُوضع هذه الفازة في كل بيت سعودي، لا كمجرد قطعة جميلة، بل كرمز، وكبيان انتماء. لأنها تعني شيئًا. لأن وراءها يدًا فنية تفكّر، وقلبًا ينبض بحب الأرض.
لم يكن الطريق إلى هذه الفازة مفروشًا بالزهور. بل مرّ عبر الإسكتشات اليدوية، وتجارب الخامات، والنماذج الأولية، والبحث في السوق والتراث والتقنيات، وحتى الرفض والتصحيح والبدء من جديد.
المحارب لم يبحث عن الجاهز أو السهل. لم ينقل نقوشًا جاهزة، ولم يكرّر ما اعتدناه. بل ابتكر قالبًا بصريًا فريدًا، يمكن تمييزه من النظرة الأولى: هذه فازة نجدية… من عمل إبراهيم المحارب.
رسالة هذا العمل تتجاوز الخزف. إنها رسالة مفادها: نحن نستطيع أن نُنتج من تراثنا ما هو عصري، راقٍ، وذو قيمة عالية تناسب القصور والفنادق الراقية وأرقى المعارض العالمية.
نحن اليوم أمام نقطة تحول. أمام بداية مرحلة يمكن فيها للمنتج السعودي النجدي أن يأخذ مكانه الحقيقي. وليس هناك خير من فازة إبراهيم المحارب لتمثيل هذه النقلة.
يُخطئ من يظن أن هذه مجرد فازة. هي قطعة وعي، وصرخة ثقافة، وتجسيد لفن الهوية. إنها ببساطة: منتج يستحق أن يُكتب عنه، يُعرض، يُفتخر به… ويُهدى.
ختامًا… لن نعود بعد اليوم لنشتري فازات بلا ملامح، ولا هوية. نحن لدينا فازتنا، من أرضنا، ومن تراثنا، ومن فكر أحد أبناء هذا الوطن المبدعين: إبراهيم المحارب.
وهذا هو الفارق… حين تتحول الفازة إلى شرف بصري وهوية ثقافية وقيمة جمالية تبقى.